قُلْنَا: الْحِرَابَةُ تَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ تَكُونُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيُجَازَى بِمِثْلِهَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩]. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الرِّبَا قُلْنَا: نَعَمْ، وَفِيمَنْ فَعَلَهُ، فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ مَنْ يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ يُحَارَبُ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى الْعَمَلِ بِالرِّبَا، وَعَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.
[مَسْأَلَة تَحْقِيقِ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ إشْهَارُ السِّلَاحِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي تَحْقِيقِ الْمُحَارَبَةِ: وَهِيَ إشْهَارُ السِّلَاحِ قَصْدَ السَّلْبِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَرْبِ؛ وَهُوَ اسْتِلَابُ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ بِإِظْهَارِ السِّلَاحِ عَلَيْهِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢] {الَّذِينَ آمَنُوا} [يونس: ٦٣]. وَقَدْ شَرَحَ ذَلِكَ مَالِكٌ شَرْحًا بَالِغًا فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: الْمُحَارِبُ الَّذِي يَقْطَعُ السَّبِيلَ وَيَنْفِرُ بِالنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَان، وَيُظْهِرُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ يُقْتَلُ؛ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ الْقَطْعِ، أَوْ النَّفْيِ؛ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُسْتَتِرُ فِي ذَلِكَ وَالْمُعْلِنُ بِحِرَابَتِهِ [سَوَاءٌ].
وَإِنْ اسْتَخْفَى بِذَلِكَ، وَظَهْرَ فِي النَّاسِ إذَا أَرَادَ الْأَمْوَالَ وَأَخَافَ فَقَطَعَ السَّبِيلَ أَوْ قَتَلَ، فَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ؛ يَجْتَهِدُ أَيَّ هَذِهِ الْخِصَالِ شَاءَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَأَخَذَ بِحِدْثَانِهِ فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ فِيهِ بِأَشَدِّ الْعُقُوبَةِ، وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِمَالِكٍ.
الثَّانِي: أَنَّهَا الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْمُجَاهِرُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْمُكَابِرُ بِاللُّصُوصِيَّةِ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ الْمُجَاهِرُ فِي الطَّرِيقِ لَا فِي الْمِصْرِ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَطَاءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute