صَلُحَتْ أَحْوَالُهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الدُّنْيَا وَآثَرُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ فَهَلَكُوا، وَمِنْهُ الْأَثَرُ: «خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ وَمُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ»: أَيْ كَثِيرَةُ النَّتَاجِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: ٧١]. أَيْ عَظِيمًا.
وَالْقَوْلُ فِيهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مُتَقَارِبٌ مُتَدَاخِلٌ؛ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ هَذَا الْفِسْقُ وَأَعْظَمُهُ فِي الْمُخَالَفَةِ الْكُفْرُ أَوْ الْبِدْعَةُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: ١٠٠] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: ١٠١] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: ١٠٢].
فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ عَصَوْا وَكَفَرُوا، وَهَذِهِ صِفَةُ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ، وَأَخْبَارِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ.
[الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ]
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ١٨] {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: ١٩] قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَبَيَّنَّا أَنَّ مَنْ أَرَادَ غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ مُتَوَعَّدٌ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ آيَةَ الشُّورَى مُطْلَقَةٌ فِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا يُؤْتِيهِ اللَّهُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى حَقَّهُ فِي الدُّنْيَا مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ الْوَعْدُ بِذَلِكَ عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يُعْطَى لِكُلِّ مُرِيدٍ، لِقَوْلِهِ: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا} [الإسراء: ١٨] الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute