أَحَدُهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْعَوَالِي كَانُوا يَأْتُونَهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الصَّوْتَ إذَا كَانَ رَفِيعًا وَالنَّاسُ فِي هُدُوءٍ وَسُكُونٍ فَأَقْصَى سَمَاعِ الصَّوْتِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ؛ وَهَذَا نَظَرٌ وَمُلَاحَظَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى: {نُودِيَ} [الجمعة: ٩]؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ يَسْمَعَانِ النِّدَاءَ، وَقَدْ قُلْتُمْ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمَا.
قُلْنَا: أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَلْزَمُهَا خِطَابُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تَدْخُلُ فِي خِطَابِهَا. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَفِي صَحِيحِ الْمَذْهَبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الرِّقِّ أَثَّرَ بِصِفَتِهِ حَتَّى لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ؛ لِأَنَّ نَقْصَهُ فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا نَقْصُهُ فِي ذَاتِهِ؛ فَأَشْبَهَ نَقْصَ الْمَرْأَةِ وَمِنْ النُّكَتِ الْبَدِيعَةِ فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْعَبْدِ قَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩]؛ فَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ بِالْجُمُعَةِ مَنْ يَبِيعُ، وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ لَا يَبِيعَانِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ تَحْتَ حَجْرِ السَّيِّدِ، وَالصَّبِيَّ تَحْتَ حَجْرِ الصِّغَرِ.
[مَسْأَلَة هَلْ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالنِّدَاءِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالنِّدَاءِ، وَالنِّدَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا تُصَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ؛ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ.» وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ.» وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ حَتَّى يَغْشَى ظِلُّ الْجِدَارِ الْغَرْبِيِّ طَنْفَسَةَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّتِي كَانَتْ تُطْرَحُ لَهُ عِنْدَ الْجِدَارِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَحَدِيثُ سَلَمَةَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّبْكِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute