وَزَعَمَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ قَوْلَهُ {مِنْهُ} [المائدة: ٦] إنَّمَا جَاءَ لِيُبَيِّنَ وُجُوبَ نَقْلِ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ عَلَى التُّرَابِ لَا عَلَى الْحِجَارَةِ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا أَفَادَتْ {مِنْهُ} [المائدة: ٦] وُجُوبَ ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْيَدَيْنِ، فَلَوْلَا ذَلِكَ وَتَرَكْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الصَّعِيدِ وَضَرْبِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ بِالْيَدَيْنِ إلَى الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ أَكَّدَ بِقَوْلِهِ {مِنْهُ} [المائدة: ٦] لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ تَعَبُّدًا، ثُمَّ ضَرَبَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَرَّرْنَا أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ كَيْفَمَا كَانَ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ: فَإِنْ قِيلَ: فَبَيِّنُوا لَنَا بَقِيَّةَ الْآيَةِ.
قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَحُكْمُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَلَمْسِ النِّسَاءِ وَعَدَمِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ، وَالْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا فَيَنْتَظِمُ الْمَعْنَى بِهِمَا.
[مَسْأَلَة تَقْدِيرِ الْآيَةِ وَنِظَامِهَا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَقْدِيرِ الْآيَةِ وَنِظَامِهَا: [التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ]: رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ نَوْمٍ، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ، أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا. الثَّانِي: تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا تِلَاوَةً وَتَقْدِيرًا إلَى آخِرِهَا. الثَّالِثُ: تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ. وَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute