ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ. فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَالْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إسْمَاعِيلُ، إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَك رَبُّك. قَالَ: وَتُعِينُنِي. قَالَ: وَأُعِينُك. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ؛ وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧]. قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى تَدَوَّرَ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: ١٢٧].
[مَسْأَلَة حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: ٣٧] لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ فِي طَرْحِ عِيَالِهِ وَوَلَدِهِ بِأَرْضٍ مَضْيَعَةٍ اتِّكَالًا عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، وَاقْتِدَاءً بِفِعْلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا تَقُولُ الْغُلَاةُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ فِي حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ؛ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ لِقَوْلِهَا لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: آللَّهُ أَمَرَك بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَمَّا كَانَ بِأَمْرٍ مِنْهُ أَرَادَ تَأْسِيسَ الْحَالِ وَتَمْهِيدَ الْمَقَامِ، وَخَطَّ الْمَوْضِعَ لِلْبَيْتِ الْمُحَرَّمِ وَالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ، أَرْسَلَ الْمَلَكَ فَبَحَثَ بِالْمَاءِ، وَأَقَامَهُ مَقَامَ الْغِذَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute