يَأْتِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْحُكْمِ إلَّا فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ؛ لِأَجْلِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا خُصُومَةَ فِيهَا، فَإِنْ اتَّفَقَا لَزِمَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا نُظِرَ فِي غَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَأْخُذُ بِأَرْفَعِ قَوْلِهِمَا؛ يُرِيدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمِثْلِ الْخِلْقِيِّ، إذَا حَكَمَا بِهِ، إلَى الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ لَزِمَ قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ؛ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِالْجَزَاءِ مِنْ الْمِثْلِ فَفَعَلَا، فَأَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الطَّعَامِ جَازَ.
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَجَاوُزٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: إنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِالْمِثْلِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُحَكِّمُهُمَا. ثُمَّ يَنْظُرَانِ فِي الْقَضِيَّةِ، فَمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمَا لَزِمَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ. وَهُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِحُكْمِهِمَا؛ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِالْتِزَامِهِ لِحُكْمِهِمَا.
[مَسْأَلَة هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]: الْمَعْنَى إذَا حَكَمَا بِالْمِثْلِ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ بِالْهَدْيِ، يُقَلِّدُهُ وَيُشْعِرُهُ، وَيُرْسِلُهُ إلَى مَكَّةَ وَيَنْحَرُهُ بِهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْهَدْيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحَرَمِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يُفْتَقَرُ إلَى حِلٍّ مَعَهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ يَبْتَاعُ بِالْحِلِّ، وَيُقَلِّدُ وَيُشْعِرُ، وَيَدْفَعُ إلَى الْحَرَمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِلِّ. وَحَقِيقَةُ قَوْله تَعَالَى: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] يَقْتَضِي أَنْ يَهْدِيَ مِنْ مَكَان يَبْلُغُ مِنْهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يُرِدْ الْكَعْبَةَ بِعَيْنِهَا؛ فَإِنَّ الْهَدْيَ لَا يَبْلُغُهَا، إذْ هِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الصَّغِيرَ مِنْ الْهَدْيِ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ الصَّيْدِ، لِأَنَّهُ يَبْتَاعُهُ فِي الْحَرَمِ وَيُهْدِيه فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute