تَكُونَ مُقْتَرِنَةً مَعَ أَوَّلِهَا لَا تَجُوزُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفِعْلِ حَقِيقَتُهُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَصْدًا لَهُ، فَنِيَّةُ الْوُضُوءِ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، بَيْدَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إنَّ مَنْ خَرَجَ إلَى النَّهْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ. وَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحَمَّامِ فَعَزَبَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بَطَلَتْ النِّيَّةُ. فَرَكَّبَ عَلَى هَذَا سَفَاسِفَةُ الْمُفْتِينَ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَأَوْرَدُوا فِيهَا نَصًّا عَمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ [بِأَنَّهُ قَالَ:] يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ النِّيَّةَ فِيهَا عَلَى التَّكْبِيرِ. وَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْعَالَمِينَ مِنْ أُمَّةٍ أَرَادَتْ أَنْ تَكُونَ مُفْتِيَةً مُجْتَهِدَةً فَمَا وَفَّقَهَا اللَّهُ وَلَا سَدَّدَهَا، اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ عَنْ مَرْتَبَةِ الِاتِّفَاقِ سُومِحَ فِي تَقْدِيمِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا قَدْ لَا يَجِبُ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَهِيَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَلَى الْفَرْعِ التَّابِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؟ هَلْ هَذَا إلَّا غَايَةَ الْغَبَاوَةِ؟ فَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ فِيهَا مُقَارِنَةً لِلتَّكْبِيرِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَإِنَّ الشَّرْعَ رَفَعَ الْحَرَجَ فِيهِ، لَمَّا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ فِي وَقْتِ الْغَفْلَةِ بِتَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَأَيْدِيَكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦]: الْيَدُ: عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالظُّفْرِ، وَهِيَ ذَاتُ أَجْزَاءٍ وَأَسْمَاءٍ؛ مِنْهَا الْمَنْكِبُ، وَمِنْهَا الْكَفُّ، وَالْأَصَابِعُ، وَهُوَ مَحَلُّ الْبَطْشِ وَالتَّصَرُّفِ الْعَامِّ فِي الْمَنَافِعِ، وَهُوَ مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute