للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةُ الْأَصْلُ فِي حُكْم الصَّيْدِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ قَوْمٌ: الْأَصْلُ فِي الصَّيْدِ التَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ فَرْعُهُ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَنْعَكِسُ فَيُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الصَّيْدِ الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ فَرْعُهُ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، وَلَا دَلِيلَ يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِهِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا أَصْلَ فِي شَيْءٍ إلَّا مَا أَصَّلَهُ الشَّرْعُ بِتِبْيَانِ حُكْمِهِ وَإِيضَاحِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ أَوْ تَحْرِيمٍ، وَوُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ كَرَاهِيَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ لِمَا أَكَلَهُ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ، حَتَّى قِيلَ الْأَصْلُ فِي الصَّيْدِ التَّحْرِيمُ. وَإِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَقُلْنَا: إنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ الْإِبَاحَةُ فَلَا يُحَرِّمُهُ أَكْلُ الْكَلْبِ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. ثُمَّ ذَكَرْنَا التَّعَارُضَ فِيهِ وَالِانْفِصَالَ عَنْهُ، فَلْيُنْظَرْ فِي مَوْضِعِهِ.

[مَسْأَلَةُ بَيَان حُكْمِ صِغَارِ الصَّيْدِ وَكِبَارِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: ٩٤] بَيَانٌ لِحُكْمِ صِغَارِ الصَّيْدِ وَكِبَارِهِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: ٩٤] فَكُلُّ شَيْءٍ يَنَالُهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ، أَوْ بِرُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَقَتَلَهُ، فَهُوَ صَيْدٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، وَهَذَا بَيَانٌ شَافٍ.

[مَسْأَلَةُ صَيْدُ الذِّمِّيِّ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: [صَيْدُ الذِّمِّيِّ]:

قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ صَيْدُ الذِّمِّيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُحَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، فَخَرَجَ عَنْهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ، لِاخْتِصَاصِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْإِيمَانِ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِأَحَدِ وَصْفَيْ الشَّيْءِ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْآخَرَ بِخِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ أَنَّ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ مَنْطُوقٌ بِهِ، مُبَيَّنٌ حُكْمُهُ، وَالثَّانِي مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى مَا نُطِقَ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>