للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمُ، مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ الْأَنْعَامُ، فَأَفَادَ مَقْصُودَهُ مِنْ حِلِّ الْأَكْلِ مِنْ أَصْلِهِ ذَبْحِ الْحَلَالِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى دَعْوَى؛ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَبْحِ الصَّيْدِ؛ إذْ الْأَهْلِيَّةُ لَا تُسْتَفَادُ عَقْلًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُهَا الشَّرْعُ، وَذَلِكَ بِإِذْنِهِ فِي الذَّبْحِ؛ أَوْ يَنْفِيهَا الشَّرْعُ أَيْضًا؛ وَذَلِكَ بِنَهْيِهِ عَنْ الذَّبْحِ. وَالْمُحْرِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَقَدْ انْتَفَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِالنَّهْيِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَأَفَادَ مَقْصُودَهُ، فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا ذَبَحَ الصَّيْدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ؛ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ مِنْهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ، فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ لِلذَّابِحِ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَلَا يُفِيدَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فِي أَحْكَامِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مَا لَا يَثْبُتُ لِأَصْلِهِ.

وَإِذَا بَطَلَ مَنْزَعُ الشَّافِعِيِّ وَمَأْخَذُهُ فَقَدْ اعْتَمَدَ عُلَمَاؤُنَا سِوَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى أَنَّهُ ذَبْحٌ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَعْنًى فِي الذَّابِحِ، فَلَا يَجُوزُ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا صَحِيحٌ.

فَإِنَّ الَّذِي قَالَ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] هُوَ الْقَائِلُ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]. وَالْأَوَّلُ: نَهْيٌ عَنْ الْمَقْصُودِ بِالسَّبَبِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ. وَالثَّانِي: نَهْيٌ عَنْ السَّبَبِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ شَرْعًا، فَلَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ حُكْمًا، وَهَذَا مِنْ نَفِيسِ الْأُصُولِ فَتَأَمَّلُوهُ.

وَقَوْلُ عُلَمَائِنَا: لِمَعْنًى فِي الذَّابِحِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ السِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْكَالَّةِ وَمِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ التَّذْكِيَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الذَّابِحِ وَلَا فِي الْمَذْبُوحِ لَمْ يُحَرَّمْ.

[مَسْأَلَةُ النُّهَى عَنْ قَتْلِ الصَّيْد حَالَة الأحرام]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَجَعَلَ الْقَتْلَ مُنَافِيًا لِلتَّذْكِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>