للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افْتَدَى مِنْ الْجَلْدِ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ: «أَمَّا غَنَمُك فَرَدٌّ عَلَيْك وَجَلْدُ ابْنِك مِائَةً وَتَغْرِيبُهُ عَامًا».

وَتَرَدَّدَتْ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ عُظْمَى بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؛ وَهِيَ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي عَقْدٍ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَازْدَحَمَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ؛ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ، وَيُفْسَخُ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ؛ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَا، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا فِي الْأَحْبَاسِ وَالْهِبَاتِ فَيَحْتَمِلُ كَثِيرًا مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْأَخْطَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِيهَا، حَتَّى قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا دَخَلَ فِي الصُّلْحِ مَعَ مَا يَجُوزُ مَضَى الْكُلُّ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَمْضِي إنْ طَالَ. وَقَالَ سَائِرُ عُلَمَائِنَا: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ.

وَأَمَّا إنْ وَقَعَ النَّهْيُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: يُفْسَخُ أَبَدًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ، فِي تَفْصِيلٍ طَوِيلٍ بَيَانُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ تَأْصِيلًا، وَفِي فُرُوعِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ تَفْصِيلًا بَنَيْنَاهُ عَلَى تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْمَعْنَى وَالرَّدِّ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا فَسْخُ الْفَاسِدِ أَبَدًا حَيْثُمَا وَقَعَ، وَكَيْفَمَا وُجِدَ، فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

[مَسْأَلَة وَهَلْ يُقَابِلُ النَّهْيَ الْأَمْرُ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧] وَإِنْ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِيتَاءِ وَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] فَقَابَلَهُ بِالنَّهْيِ، وَلَا يُقَابِلُ النَّهْيَ إلَّا الْأَمْرُ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَات، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ». فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ

فَمَا وَجَدْت فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>