للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة حَالُ الْعَبِيدِ الْمَمَالِيكِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥]: إثْبَاتٌ فِي نَكِرَةٍ، فَلَيْسَ يَقْتَضِي الشُّمُولَ، وَلَا يُعْطِي الْعُمُومَ؛ وَإِنَّمَا يُفِيدُ وَاحِدًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ يَقْدِرُ بِأَنْ يُقْدِرَهُ مَوْلَاهُ، فَيَنْقَسِمُ حَالُ الْعَبِيدِ الْمَمَالِيكِ إلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ لَا يَقْدِرُ.

الثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ بِأَنْ تُوضَعَ لَهُ الْقُدْرَةُ، وَيُمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقْدِرُ وَإِنْ أُقْدِرَ وَلَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِّكَ.

وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. وَتَعَلَّقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَلَا يَمْلِكُ. أَصْلُهُ الْبَهِيمَةُ قَالَ أَهْلُ خُرَاسَانَ: وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ؛ فَإِنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ تَقْتَضِي الْحَجْرَ وَالْمَنْعَ، وَالْمَالِكِيَّةَ تَقْتَضِي الْإِذْنَ وَالْإِطْلَاقَ؛ فَلَمَّا تَنَاقَضَا لَمْ يَجْتَمِعَا. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ الْحَيَاةَ وَالْآدَمِيَّةَ عِلَّةُ الْمِلْكِ، فَهُوَ آدَمِيٌّ حَيٌّ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ كَالْحُرِّ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّقُّ عُقُوبَةً، فَصَارَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ حَقُّ الْحَجْرِ، وَذِمَّتُهُ خَالِيَةٌ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَفَكَّ الْحَجْرَ عَنْهُ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فِي الْمَالِكِيَّةِ بِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَبَقَاءِ ذِمَّتِهِ خَالِيَةً عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ»، فَأَضَافَ الْمَالَ إلَى الْعَبْدِ، وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>