للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مِمَّا رَآهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْقُرْعَةَ فِي شَأْنِ زَكَرِيَّا وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ مِمَّا لَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ دُونَ قُرْعَةٍ لَجَازَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْبُدِ فَلَا يَصِحُّ التَّرَاضِي فِي الْحُرِّيَّةِ وَلَا الرِّضَا؛ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ وَالرِّقَّ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْحُكْمِ دُونَ قُرْعَةٍ فَجَازَتْ، وَلَا طَرِيقَ لِلتَّرَاضِي فِيهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا فَائِدَتُهَا اسْتِخْرَاجُ الْحُكْمِ الْخَفِيِّ عِنْدَ التَّشَاحِّ فَأَمَّا مَا يُخْرِجُهُ التَّرَاضِي فِيهِ فَبَابٌ آخَرُ، وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْقُرْعَةَ تَجْرِي فِي مَوْضِعِ التَّرَاضِي، وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أَبَدًا مَعَ التَّرَاضِي فَكَيْفَ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ التَّرَاضِي؟ ثُمَّ يُقَالُ: إنَّهَا لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِهِ وَلَا تَكُونُ إلَّا فِي مَحِلِّهِ؛ وَهَذَا بَعِيدٌ.

[مَسْأَلَةٌ أَحَقُّ النَّاسِ الْحَضَانَةِ بَعْدَ الْجَدَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ بِنْتَ أُخْتِ زَوْجِ زَكَرِيَّا، وَيُرْوَى أَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ، وَقِيلَ مِنْ قَرَابَتِهِ؛ فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَمَقْطُوعٌ بِهَا، وَتَعْيِينُهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ.

وَهَذَا جَرَى فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي قَبْلَنَا، فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي شَرِيعَتِنَا فَالْخَالَةُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْجَدَّةِ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَةِ وَالنَّاسِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِهَا لِلْخَالَةِ، وَنَصُّ الْحَدِيثِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ: «خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى مَكَّةَ فَقَدِمَ بِابْنَةِ حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاسْمُهَا أَمَةُ اللَّهِ، وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ أُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا؛ ابْنَةُ عَمِّي، وَعِنْدِي خَالَتُهَا، وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ. وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا. وَقَالَ زَيْدٌ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، خَرَجْت إلَيْهَا وَسَافَرْت وَقَدِمْت بِهَا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ شَيْئًا، وَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَأَقْضِي بِهَا لِجَعْفَرٍ تَكُونُ مَعَ خَالَتِهَا، وَإِنَّمَا الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ».

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَذَا إذَا كَانَتْ الْخَالَةُ أَيِّمًا، فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَتْ، وَكَانَ زَوْجُهَا أَجْنَبِيًّا فَلَا حَضَانَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِالزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ، فَكَيْفَ بِأُخْتِهَا وَبِأُمِّهَا وَالْبَدَلِ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>