وَاللِّثَةُ: هِيَ الْمَمْسُوحَةُ بِعَصْفِ الْإِثْمِدِ، فَقَلْبٌ. وَلَكِنَّ الْأَمْرَ بَيِّنٌ وَالْفَصَاحَةَ قَائِمَةٌ، وَإِلَى هَذَا النَّحْوِ أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي شَرْطِهِ الرَّابِعِ بِالثَّلَاثَةِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْأَرْبَعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَمْسُوحٌ بِهِ لِأَجْلِ الْبَاءِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَامْسَحُوا بِأَكُفِّكُمْ رُءُوسَكُمْ. وَالْكَفُّ خَمْسُ أَصَابِعَ وَمُعْظَمُهَا ثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ، وَالْمُعْظَمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَفَطِنَ أَنَّ إدْخَالَ الْبَاءِ لِمَعْنًى، وَغَفَلَ عَنْ أَنَّ لَفْظَ الْمَسْحِ يَقْتَضِي الْيَدَ لُغَةً وَحَقِيقَةً؛ فَجَعَلَ فَائِدَةَ الْبَاءِ التَّعَلُّقَ بِالْيَدِ. وَهَذِهِ عَثْرَةٌ لِفَهْمِهِ لَا يُقَالُهَا، وَوَفَّقَ اللَّهُ هَذَا الْإِمَامَ الَّذِي أَفَادَنِي هَذِهِ الْفَائِدَةَ فِيهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاَللَّهُ يَنْفَعُنِي وَإِيَّاكُمْ بِرَحْمَتِهِ.
[مَسْأَلَة مَسْحَ شَعْرِ الْقَفَا]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: مِنْ أَغْرَبِ شَيْءٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى مَسْحَ شَعْرِ الْقَفَا؛ وَلَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ؛ فَإِنَّ الرَّأْسَ جُزْءٌ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَالْيَدَ جُزْءٌ، وَالْبَدَنَ جُزْءٌ، وَالْعَيْنَ جُزْءٌ، وَالْعُنُقَ جُزْءٌ، وَمُقَدَّمَ الرَّقَبَةِ الْعُنُقُ، وَمُؤَخَّرَهَا الْقَفَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ قَفَاهُ». وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ إلَى قَفَاهُ». الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ ثَلَاثِينَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَنَقَلَ أَصْحَابُهُ مَا شَاهَدُوا مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لِكَيْفِيَّةِ الْمَغْسُولِ صِفَةً، وَنَقَلُوا كَيْفِيَّةَ مَسْحِ رَأْسِهِ بِاهْتِبَالٍ كَثِيرٍ، وَتَحْصِيلٍ عَظِيمٍ، وَاخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَاتِ مُتَفَاوِتٍ، نَشَأَتْ مِنْهُ مَسَائِلُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مُعْظَمِهَا؛ لِأَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُبْهَمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute