وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ مَنَازِلَ، وَرَتَّبَهَا مَرَاتِبَ؛ فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَنَا فَعَلِمْنَا وَآمَنَّا بِهِ وَسَلَّمْنَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِرْسَالِ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ وَقَصَرَ الشَّهَادَةَ عَلَى الرِّضَا خَاصَّةً]
الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ: قَوْله تَعَالَى: {تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] هَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ، وَقَصَرَ الشَّهَادَةَ عَلَى الرِّضَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَظِيمَةٌ؛ إذْ هِيَ تَنْفِيذُ قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ؛ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَمَائِلُ يَنْفَرِدُ بِهَا، وَفَضَائِلُ يَتَحَلَّى بِهَا حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ تُوجِبُ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ رُتْبَةَ الِاخْتِصَاصِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُقْضَى لَهُ بِحُسْنِ الظَّنِّ، وَيُحْكَمُ بِشُغْلِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، وَيُغَلَّبُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى قَوْلِهِ بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي دَعْوَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ تَفْوِيضِ قَبُولِ الشَّهَادَة إلَى الْحَاكِمِ]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْلُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] دَلِيلٌ عَلَى تَفْوِيضِ الْقَبُولِ فِي الشَّهَادَةِ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا مَعْنًى يَكُونُ فِي النَّفْسِ بِمَا يَظْهَرُ إلَيْهَا مِنْ الْأَمَارَاتِ عَلَيْهِ، وَيَقُومُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ، وَلَا يَكُونُ غَيْرُ هَذَا؛ فَإِنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لِغَيْرِهِ لَمَا وَصَلَ إلَيْهِ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ، وَاجْتِهَادُهُ أَوْلَى مِنْ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
[مَسْأَلَةٌ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ عَلَى مَا خَفِيَ مِنْ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ عَلَى مَا خَفِيَ مِنْ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ.
[مَسْأَلَةٌ الْإِسْلَامِ فِي الشَّهَادَةِ هَلْ يَكْفِي فِيهِ الظَّاهِر]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى يَقَعَ الْبَحْثُ عَنْ الْعَدَالَةِ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْحُدُودِ؛ وَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ تُسْقِطُ كَلَامَهُ وَتُفْسِدُ عَلَيْهِ مَرَامَهُ، فَيَقُولُ: حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ، فَلَا يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ الدِّينِ كَالْحُدُودِ، وَقَدْ مَهَّدْت الْمَسْأَلَةَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
[مَسْأَلَةٌ شَهَادَةُ وَلَدٍ لِأَبِيهِ وَالْأَبِ لِوَلَدِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: هَذَا الْقَوْلُ يَقْتَضِي أَلَّا تُقْبَلَ شَهَادَةُ وَلَدٍ لِأَبِيهِ، وَلَا أَبٍ لِوَلَدِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا كُلِّ