[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا]
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: ١١] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَدَخَلَتْ عِيرٌ إلَى الْمَدِينَةِ، فَالْتَفَتُوا، فَخَرَجُوا إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: ١١] الْآيَةُ كُلُّهَا».
الثَّانِيَةُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: «كَانَ النَّاسُ قَرِيبًا مِنْ السُّوقِ، فَرَأَوْا التِّجَارَةَ، فَخَرَجُوا إلَيْهَا، وَتَرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا كَانَتْ لَهُمْ عُرْسٌ يَمُرُّونَ بِالْكِيرِ يَضْرِبُونَ بِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ نَاسٌ، فَغَضِبَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ».
الثَّالِثُ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: «نَزَلَتْ مَعَ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ تِجَارَةٌ بِأَحْجَارِ الزَّيْتِ فَضَرَبُوا طَبْلَهُمْ، يُعَرِّفُونَ بِإِقْبَالِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَعَاتَبَهُمْ اللَّهُ وَنَزَلَتْ الْآيَةُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ تَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ لَسَالَ الْوَادِي عَلَيْهِمْ نَارًا».
[مَسْأَلَة الْإِمَامَ يَخْطُبُ قَائِمًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَخْطُبُ قَائِمًا، كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَخَطَبَ عُثْمَانُ قَائِمًا حَتَّى رَقَّ فَخَطَبَ قَاعِدًا.
وَيُرْوَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا مُعَاوِيَةُ، وَدَخَلَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْخَبِيثَ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١] إشَارَةً إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرُبَاتِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَكِنْ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِي الْإِطْلَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute