للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ رَاجِعًا مِنْ سَفَرِهِ أَرْسَلَ قَوْمًا لِهَدْمِهِ، فَهُدِمَ وَأُحْرِقَ».

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ضِرَارًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {ضِرَارًا} [التوبة: ١٠٧]: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ضِرَارًا بِالْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ لِلْمَسْجِدِ ضِرَارٌ، إنَّمَا هُوَ ضِرَارٌ لِأَهْلِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَكُفْرًا} [التوبة: ١٠٧]: لَمَّا اتَّخَذُوا الْمَسْجِدَ ضِرَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَلَا لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرُوا بِهَذَا الِاعْتِقَادِ.

[مَسْأَلَة هَلْ تُصَلِّي جَمَاعَتَانِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٠٧]: يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا شَمْلَهُمْ فِي الطَّاعَةِ، وَيَنْفَرِدُوا عَنْهُمْ لِلْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَكْثَرَ وَالْغَرَضَ الْأَظْهَرَ مِنْ وَضْعِ الْجَمَاعَةِ تَأْلِيفُ الْقُلُوبِ، وَالْكَلِمَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَامِ وَالْحُرْمَةُ بِفِعْلِ الدِّيَانَةِ، حَتَّى يَقَعَ الْأُنْسُ بِالْمُخَالَطَةِ؛ وَتَصْفُوَ الْقُلُوبُ مِنْ وَضَرِ الْأَحْقَادِ وَالْحَسَادَةِ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَفَطَّنَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَالَ: " إنَّهُ لَا تُصَلِّي جَمَاعَتَانِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِإِمَامَيْنِ، وَلَا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ " خِلَافًا لِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ تَشْتِيتًا لِلْكَلِمَةِ، وَإِبْطَالًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَذَرِيعَةً إلَى أَنْ نَقُولَ: مَنْ أَرَادَ الِانْفِرَادَ عَنْ الْجَمَاعَةِ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، فَيُقِيمُ جَمَاعَتَهُ، وَيُقِيمُ إمَامَتَهُ؛ فَيَقَعُ الْخِلَافُ، وَيَبْطُلُ النِّظَامُ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُهُ مَعَهُمْ، وَهُوَ أَثْبَتُ قَدَمًا مِنْهُمْ فِي الْحِكْمَةِ، وَأَعْلَمُ بِمَقَاطِعِ الشَّرِيعَةِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: ١٠٧]: يُقَالُ: أَرْصَدْتُ كَذَا لِكَذَا إذَا أَعْدَدْتَهُ مُرْتَقِبًا لَهُ، وَالْخَبَرُ بِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ، كَانَ قَدْ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>