للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥]: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُمَا الْحَكَمَانِ إذَا أَرَادَا الْإِصْلَاحَ وَفَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِتَوْفِيقِهِ فَقَدْ صَلُحَ أَمْرُهُمَا وَأَمْرُ الزَّوْجَيْنِ، فَكُلُّ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَالْأَصْلُ هِيَ النِّيَّةُ، فَإِذَا صَلُحَتْ صَلُحَتْ الْحَالُ كُلُّهَا، وَاسْتَقَامَتْ الْأَفْعَالُ وَقُبِلَتْ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: الْأَصْلُ فِي الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْأَهْلِ؛ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَهْلَ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِ الزَّوْجَيْنِ، وَأَقْرَبُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الزَّوْجَانِ إلَيْهِمَا؛ فَأَحْكَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ بِأَهْلِهِ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَهْلٌ، أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَخْتَارُ حَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ عَدَمُ الْحَكَمَيْنِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَا جَارَيْنِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْحَكَمَيْنِ مَعْلُومٌ، وَاَلَّذِي فَاتَ بِكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِهِمَا يَسِيرٌ، فَيَكُونُ الْأَجْنَبِيُّ الْمُخْتَارُ قَائِمًا مَقَامَهُمَا، وَرُبَّمَا كَانَ أَوْفَى مِنْهُمَا.

[مَسْأَلَة الْحُكْمَانِ حَكَمَا بِالْفِرَاقِ بَيْن الزَّوْجَيْنِ]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: إذَا حَكَمَا بِالْفِرَاقِ فَإِنَّهُ بَائِنٌ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا كُلِّيٌّ، وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ. أَمَّا الْكُلِّيُّ فَكُلُّ طَلَاقٍ يُنَفِّذُهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ بَائِنٌ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ هُوَ الشِّقَاقُ، وَلَوْ شُرِعَتْ فِيهِ الرَّجْعَةُ لَعَادَ الشِّقَاقُ، كَمَا كَانَ أَوَّلَ دُفْعَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُفِيدُ شَيْئًا؛ فَامْتَنَعَتْ الرَّجْعَةُ لِأَجَلِهِ. فَإِنْ أَوْقَعَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ: يَنْفُذُ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَنْفُذُ أَنَّهُمَا حَكَمَا فَيُنَفَّذُ مَا حَكَمَا بِهِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَهُمَا لَا يَكُونُ فَوْقَ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، كَذَلِكَ الْحَكَمَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>