للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّنْبِيهَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى اللَّذَّةِ وَطِيبِ الْمَطْعَمِ، مَعَ كَرَاهِيَةِ الْجَارِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْهُ فِي الْكَرِشِ، وَهُوَ الْفَرْثُ الْقَذِرُ. وَهَذِهِ قُدْرَةٌ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِلْقَائِمِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالْمَصْلَحَةِ.

[مَسْأَلَة قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّرِينَ بِصُورَةِ الْمُصَنِّفِينَ الْمُتَسَوِّرِينَ فِي عُلُومِ الدِّينِ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْمَخْرَجِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَهَذَا اللَّهُ يَقُولُ فِي اللَّبَنِ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، فَكَمَا يَخْرُجُ اللَّبَنُ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ سَائِغًا خَالِصًا طَاهِرًا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ الْمَنِيُّ عَلَى مَخْرَجِ الْبَوْلِ طَاهِرًا.

قَالَ الْقَاضِي: قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ صِفَةَ الْمُجْتَهِدِ الْمُفْتِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبِطِ لَهَا مِنْ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ مَوْجُودَةً فِي هَذَا الْقَائِلِ مَا نَطَقَ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّ اللَّبَنَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْهُ مَجِيءَ النِّعْمَةِ وَالْمِنَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْقُدْرَةِ، لِيَكُونَ عِبْرَةً؛ فَاقْتَضَى ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُ وَصْفَ الْخُلُوصِ وَاللَّذَّةِ وَالطَّهَارَةِ، وَأَيْنَ الْمَنِيُّ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى يَكُونَ مُلْحَقًا بِهِ أَوْ مَقِيسًا عَلَيْهِ؛ إنَّ هَذَا لَجَهْلٌ عَظِيمٌ.

[الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا]

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: ٦٧].

فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ قَوْمٌ: الْمَعْنَى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ شَيْءٌ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا، وَدَلَّ عَلَى حَذْفِهِ قَوْلُهُ: {مِنْهُ} [النحل: ٦٧] فَلِذَلِكَ سَاغَ حَذْفُهُ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>