الرَّابِعُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ أَيْضًا: إنَّمَا يُرِيدُ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِ بَعْضِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِ أَيُّهَا كَانَ لَهُ لَبَنٌ مِنْهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّ التَّذْكِيرَ إنَّمَا جِيءَ بِهِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ عَلَى ذِكْرِ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لِلذَّكَرِ مَنْسُوبٌ؛ وَلِذَلِكَ قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللَّبَنَ لِلْفَحْلِ حِينَ «أَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثِ أَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ؛ فَقَالَتْ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك».
بَيَانٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّبَنَ لِلْمَرْأَةِ سَقْيٌ، وَلِلرَّجُلِ إلْقَاحٌ، فَجَرَى الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا فِيهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
السَّادِسُ: قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا يَرْجِعُ التَّذْكِيرُ إلَى مَعْنَى الْجَمْعِ، وَالتَّأْنِيثُ إلَى مَعْنَى الْجَمَاعَةِ، فَذَكَّرَ فِي آيَةِ النَّحْلِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ، وَأَنَّثَ فِي آيَةِ الْمُؤْمِنِ بِاعْتِبَارِ تَأْنِيثِ لَفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَيَنْتَظِمُ الْمَعْنَى بِهَذَا التَّأْوِيلِ انْتِظَامًا حَسَنًا.
وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ أَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةُ مِنْ رَمْلِ يَبْرِينَ وَمَهَا فِلَسْطِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَبَّهَ اللَّهُ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ بِخُرُوجِ اللَّبَنِ خَالِصًا مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ بَيْنَ حُمْرَةِ الدَّمِ وَقَذَارَةِ الْفَرْثِ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا وِعَاءٌ وَاحِدٌ، وَجَرَى الْكُلُّ فِي سَبِيلٍ مُتَّحِدَةٍ، فَإِذَا نَظَرْت إلَى لَوْنِهِ وَجَدْته أَبْيَضَ نَاصِعًا خَالِصًا مِنْ شَائِبَةِ الْجَارِ، وَإِذَا شَرِبْته وَجَدْته سَائِغًا عَنْ بَشَاعَةِ الْفَرْثِ، يُرِيدُ لَذِيذًا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ سَائِغًا، أَيْ لَا يُغَصُّ بِهِ، وَإِنَّهُ لِصِفَتِهِ، وَلَكِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute