للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَلَّذِي يَقْطَعُ بِهِ اللَّبِيبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرِ الْآيَةِ: لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَيْكُمْ، إذْ قَدْ قَصَدَ هُوَ الْإِضْرَارَ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْقَصْدِ، وَهُوَ كَسْبُ الْقَلْبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَخَرَجَ مِنْ اللَّفْظِ يَمِينُ الْغَضَبِ وَيَمِينُ الْمَعْصِيَةِ، وَانْتَظَمَتْ الْآيَةُ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ كَسَبَهُ الْقَلْبُ، فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ، وَقِسْمٌ لَا يَكْسِبُهُ الْقَلْبُ، فَهُوَ الَّذِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَخَرَجَ مِنْ قِسْمِ الْكَسْبِ يَمِينُ الْحَالِفِ نَاسِيًا، فَأَمَّا الْحَانِثُ نَاسِيًا فَهُوَ بَابٌ آخَرَ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، كَمَا خَرَجَ مِنْ قِسْمِ الْكَسْبِ أَيْضًا الْيَمِينُ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَخَرَجَ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ طَوِيلٌ بَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ.

[الْآيَة الْخَامِسَة وَالسِّتُّونَ قَوْله تَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ]

الْآيَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ:

قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧] فِيهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَهِيَ آيَةٌ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ جِدًّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ كَبِيرٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَدَقَّتْ مَدَارِكُهَا حَسْبَمَا تَرَوْنَهَا مِنْ جُمْلَتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: " كَانَ إيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَفَّتْ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ "؛ فَمَنْ آلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ حُكْمِيٍّ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِيلَاءُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ هُوَ الْحَلِفُ، وَالْفَيْءُ هُوَ الرُّجُوعُ، وَالْعَزْمُ هُوَ تَجْرِيدُ الْقَلْبِ عَنْ الْخَوَاطِرِ الْمُتَعَارِضَةِ فِيهِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>