للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: الذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَيَكُونُ بِالْقَلْبِ، وَاَلَّذِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ تَسْمِيَةَ الْأَصْنَامِ وَالنُّصُبِ بِاللِّسَانِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي الْأَلْسِنَةِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ، حَتَّى قِيلَ لِمَالِكٍ: هَلْ يُسَمِّي اللَّهَ إذَا تَوَضَّأَ؟ فَقَالَ: أَيُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ؟ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّسْمِيَةِ وَمَوْضُوعَهَا إنَّمَا هُوَ فِي الذَّبَائِحِ لَا فِي الطَّهَارَةِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فِي قَوْلِهِ: «اسْمُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ. وَأَمَّا النَّاسِي لِلتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] وَلَيْسَ النَّاسِي فَاسِقًا بِإِجْمَاعٍ، فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْمُتَعَمِّدُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ إنْ أَكَلَهَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.

قُلْنَا: قَدْ أَجَبْنَا عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَصَرَّحْنَا فِيهِ بِالْحَقِّ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَظْهَرُهَا أَنَّ تَارِكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ إذَا أَضْجَعَ الذَّبِيحَةَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: قَلْبِي مَمْلُوءٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَلَا أَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ بِلِسَانِي: فَذَلِكَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَعَظَّمَهُ.

وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ التَّسْمِيَةِ صَرِيحَةً، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ، فَهَذَا يُجْزِيهِ لِكَوْنِهِ عَلَى مَذْهَبٍ يَصِحُّ اعْتِقَادُهُ اجْتِهَادًا لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ وَتَقْلِيدًا لِمَنْ قَلَّدَهُ.

وَإِنْ قَالَ: لَا أُسَمِّي، وَأَيُّ قَدْرٍ لِلتَّسْمِيَةِ؟ فَهَذَا مُتَهَاوِنٌ كَافِرٌ فَاسِقٌ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فَأَمَّا عَلَى الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا تَشْخِيصَ لَهَا.

وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ النَّاسِي أَنَّ الْخِطَابَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ، لِاسْتِحَالَةِ خِطَابِ النَّاسِي؛ فَالشَّرْطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: ١٢١]

سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ إلْهَامٍ وَحْيًا، وَهَذَا مِمَّا يُطْلِقُهُ شُيُوخُ

<<  <  ج: ص:  >  >>