للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِنْسَاءَ كَانَ عِنْدَ الْعَرَبِ زِيَادَةً وَتَأْخِيرًا وَتَبْدِيلًا، وَأَقَلُّهُ صِحَّةً الزِّيَادَةُ، لِقَوْلِهِ: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: ٣٧] فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَاءِ مَا كَانَ تَبْدِيلًا [أَوْ تَأْخِيرًا]، وَأَقَلُّهُ الزِّيَادَةُ.

وَالْمُوَاطَأَةُ هِيَ الْمُوَافَقَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: وَاطَأْتُك عَلَى الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُك عَلَيْهِ، فَكَانُوا يَحْفَظُونَ عِدَّةَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ، لَكِنَّهُمْ يُبَدِّلُونَ وَيُؤَخِّرُونَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُوَاطَأَةَ عَلَى الْعِدَّةِ تَكْفِي، وَإِنْ خَالَفَتْ فِي أَعْيَانِ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَاتِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَاءُ عِنْدَهُمْ بِالثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ، فَذَكَرَ اللَّهُ مِنْهَا الْوَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ، وَعِظَمَ التَّبْدِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي الْعَدَدِ، فَكَانَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي وَجْهٍ أَزْيَدُ فِي الْكُفْرِ، وَأَعْظَمُ فِي الْإِثْمِ.

[مَسْأَلَة أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ الشَّرِيعَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧]: قَدْ بَيَّنَّا الْكُفْرَ وَحَقِيقَتَهُ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْإِنْكَارِ، فَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ كَافِرٌ؛ وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالزِّيَادَةُ [فِيهِ] وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ [وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْإِيمَانِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ]، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِمَا وَالْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَوْفًى؛ لُبَابُهُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِيمَانِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الْمَعْرِفَةُ قَالَهُ شَيْخُ السَّنَةِ، وَاخْتَارَهُ لِسَانُ الْأُمَّةِ فِي مَوَاضِعَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ التَّصْدِيقُ؛ قَالَهُ لِسَانُ الْأُمَّةِ أَيْضًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الِاعْتِقَادُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ.

فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ الْمَعْرِفَةُ مِنْهُمْ فَقَدْ خَالَفَ اللُّغَةَ، وَتَجَوَّزَ ظَاهِرَهَا إلَى وَجْهٍ مِنْ التَّأْوِيلِ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>