وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَرَ مَالِكٌ هَذَا الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ فِي خَاصَّتِهِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ بِهِ؛ وَكَانَ لَا يُرِيهِ لِلنَّاسِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدُوا وُجُوبَهُ.
وَرَآهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَقُولُهَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي آخِرِهَا: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَقُولُ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ لَيْسَ أَحَدٌ بِأَوَّلِهِمْ إلَّا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنْ قِيلَ: أَوَلَيْسَ إبْرَاهِيمُ قَبْلَهُ؟ قُلْنَا: عَنْهُ أَجْوِبَةً، أَظْهَرُهَا الْآنَ أَنَّ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الثَّامِنَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ]
ٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: ١٦٤]
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَا يَصِحُّ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤].
وَعَارَضَهُمْ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ تَحَمُّلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كَسْبَ الْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ، لَا كَسْبَ الْمَعُونَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ؛ فَقَدْ يَتَعَاوَنُ الْمُسْلِمُونَ وَيَتَعَامَلُونَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْمُشَارَكَةِ؛ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ بَاعَ لَهُ وَاشْتَرَى عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ فِي دِينَارٍ وَتَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْضَاهُ؛ نَصُّهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ إلَى عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً مِنْ الْجَلَبِ فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، وَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَ بِالدِّينَارِ وَبِالشَّاةِ