سَمِعْت ذَا الشَّهِيدَ الْأَكْبَرَ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَبْدَ حَيًّا، وَبِذَلِكَ كَمَالُهُ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ آفَةَ النَّوْمِ، وَضَرُورَةَ الْحَدَثِ، وَنُقْصَانَ الْخِلْقَةِ، إذْ الْكَمَالُ لِلْأَوَّلِ الْخَالِقِ، فَمَا أَمْكَنَ الرَّجُلُ مِنْ دَفْعِ النَّوْمِ بِقِلَّةِ الْأَكْلِ وَالسَّهَرِ فِي الطَّاعَةِ فَلْيَفْعَلْ. وَمِنْ الْغَبْنِ الْعَظِيمِ أَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ سِتِّينَ سَنَةً يَنَامُ لَيْلَهَا، فَيَذْهَبُ النِّصْفُ مِنْ عُمْرِهِ لَغْوًا، وَيَنَامُ نَحْوَ سُدُسِ النَّهَارِ رَاحَةً، فَيَذْهَبُ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى لَهُ مِنْ الْعُمْرِ عِشْرُونَ سَنَةً.
وَمِنْ الْجَهَالَةِ وَالسَّفَاهَةِ أَنْ يُتْلِفَ الرَّجُلُ ثُلُثَيْ عُمْرِهِ فِي لَذَّةٍ فَانِيَةٍ، وَلَا يُتْلِفُ عُمْرَهُ بِسَهَرِهِ فِي لَذَّةٍ بَاقِيَةٍ عِنْدَ الْغَنِيِّ الْوَفِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِعَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ.
[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢]:
فَيَعْمَلُ وَيَشْكُرُ قَدْرَ النِّعْمَةِ فِي دَلَالَةِ التَّضَادِّ عَلَى الَّذِي لَا ضِدَّ لَهُ، وَفِي دَلَالَةِ الْمُعَاقَبَةِ عَلَى الَّذِي يُعْدَمُ فَيَعْقُبُهُ غَيْرُهُ، وَعَلَى الْفُسْحَةِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتِ مِنْ الْعَمَلِ لِتَحْصِيلِ الْمَوْعُودِ مِنْ الثَّوَابِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
إنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَفَاضَلُ بِأَنْفُسِهَا، فَإِنَّ الْجَوَاهِرَ وَالْأَعْرَاضَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودِ مُتَمَاثِلَةٌ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّفَاضُلُ بِالصِّفَاتِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَفْضَلُ، اللَّيْلُ أَمْ النَّهَارُ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ أَنْوَارِ الْفَجْرِ فَضِيلَةَ النَّهَارِ عَلَيْهِ، وَفِي الصَّوْمِ غُنْيَةً فِي الدَّلَالَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا]
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: ٦٣].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] الْهَوْنُ: هُوَ الرِّفْقُ وَالسُّكُونُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ، لَا بِالْمَرِحِ وَالْكِبْرِ، وَالرِّيَاءِ وَالْمَكْرِ، وَفِي مَعْنَاهُ قُلْت:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute