فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِي بِالْقِنْوِ مِنْ الْحَشَفِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ، فَنَزَلَتْ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧]
[مَسْأَلَةٌ الْمُرَادِ بِالنَّفَقَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ بِالنَّفَقَةِ: وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ؛ قَالَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
الثَّانِي: أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ؛ فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا فِي الْفَرْضِ تَعَلَّقَ بِأَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَبِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الرَّدِيءِ، وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْفَرْضِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ.
الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ (أَفْعِلْ) صَالِحٌ لِلنَّدْبِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْفَرْضِ، وَالرَّدِيءُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي النَّفْلِ، كَمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْفَرْضِ، إلَّا أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ نَدْبٌ فِي " (أَفْعِلْ) مَكْرُوهٌ فِي " لَا تَفْعَلْ " وَفِي الْفَرْضِ وَاجِبٌ فِي " (أَفْعِلْ) حَرَامٌ فِي " لَا تَفْعَلْ ".
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا} [البقرة: ٢٦٧] لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ الَّتِي لَا يُتَسَامَحُ فِي اقْتِضَاءِ الرَّدِيءِ فِيهَا عَنْ الْجَيِّدِ، وَلَا فِي أَخْذِ الْمَعِيبِ عَنْ السَّلِيمِ، إلَّا بِإِغْمَاضٍ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فِي الْفَرْضِ لَمَا قَالَ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] لِأَنَّ الرَّدِيءَ وَالْمَعِيبَ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ فِي الْفَرْضِ بِحَالٍ، لَا مَعَ تَقْدِيرِ الْإِغْمَاضِ وَلَا مَعَ عَدَمِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِإِغْمَاضٍ فِي النَّفْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute