عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَلَاعُبٌ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَنْ يَرَى إسْلَامَهُ رِدَّةً وَيُقْتَلُ عَلَى كُفْرِهِ الْأَصْلِيِّ، وَذَلِكَ مُحَرَّرٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، مُقَرَّرٌ أَنَّهُ كُفْرٌ أَصْلِي لَيْسَ بِرِدَّةٍ.
وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ يُكَلَّفُ الْكَلِمَةَ، فَإِنْ قَالَهَا تَحَقَّقَ رَشَادُهُ، وَإِنْ أَبِي تَبَيَّنَ عِنَادُهُ وَقُتِلَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَتَبَيَّنُوا} [النساء: ٩٤] أَيْ الْأَمْرَ الْمُشْكِلَ، أَوْ تَثَبَّتُوا وَلَا تَعْجَلُوا، الْمَعْنَيَانِ سَوَاءٌ؟ فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَتَى مَنْهِيًّا عَنْهُ، لَا يَبْلُغ فِدْيَةً وَلَا كَفَّارَةً وَلَا قِصَاصًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ كُفْرِهِ قَدْ تَيَقَّنَاهُ، فَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَتَغْلِيظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُحَلِّمٍ كَيْفَ مَخْرَجُهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُحَقِّقْهُ؛ فَغَضِبَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة السَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ قَوْله تَعَالَى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ]
الْآيَةُ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: ١٠١]. فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} [النساء: ١٠١]: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ بِنَاءَ " ضَرَبَ " يَتَصَرَّفُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا السَّفَرُ، وَمَا أَظُنُّهُ سُمِّيَ بِهِ إلَّا لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا سَافَرَ ضَرَبَ بِعَصَاهُ دَابَّتَهُ، لِيَصْرِفَهَا فِي السَّيْرِ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ كُلُّ مُسَافِرٍ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا أَمْكَنَنِي فِي هَذَا الْوَقْتِ ضَبْطٌ فَرَأَيْتُهُ تَكَلُّفًا، فَتَرَكْتُهُ إلَى أَوْبَةٍ تَأْتِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى مُرَاغَمًا كَثِيرًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (مُرَاغَمًا كَثِيرًا) هَذِهِ لَفْظَةٌ وَرَدَتْ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِهَا سَنَذْكُرُهَا مَعَهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute