وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.
تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ قَالَ: النِّفَاقُ نِفَاقَانِ: نِفَاقُ الْكَذِبِ، وَنِفَاقُ الْعَمَلِ، فَأَمَّا نِفَاقُ الْكَذِبِ فَكَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا نِفَاقُ الْعَمَلِ فَلَا يَنْقَطِعُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
[مَسْأَلَة رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: ٧٧]: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى النِّفَاقِ.
عَبَّرَ عَنْهُ بِجَزَائِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ جَزَاءَهُ.
وَعَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ أُنَبِّئُكُمْ أَنِّي كُنْت بِمَجْلِسِ الْوَزِيرِ الْعَادِلِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ حُمَيْرٍ عَلَى رُتْبَةِ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ " تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْمِلَّةِ "، فَقَرَأَ الْقَارِئُ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: ٤٤] وَكُنْت فِي الصَّفِّ الثَّانِي مِنْ الْحَلْقَةِ، فَظَهَرَ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلٍ إمَامُ الْحَنْبَلِيَّةِ بِهَا، وَكَانَ مُعْتَزِلِيَّ الْأُصُولِ، فَلَمَّا سَمِعْت الْآيَةَ قُلْت لِصَاحِبٍ لِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَى يَسَارِي: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ: " لَقِيت فُلَانًا " إلَّا إذَا رَأَتْهُ.
فَصَرَفَ وَجْهَهُ أَبُو الْوَفَاءِ الْمَذْكُورُ إلَيْنَا مُسْرِعًا، وَقَالَ: تَنْتَصِرُ لِمَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ فِي أَنَّ [اللَّهَ] لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَالَ: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: ٧٧].
وَعِنْدَك أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَا وَجْهَ الْآيَتَيْنِ فِي الْمُشْكِلَيْنِ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: فَأَعْقَبَهُمْ هُوَ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ، فَيَحْتَمِلُ عَوْدُ ضَمِيرِ " يَلْقَوْنَهُ " إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي أَعْقَبَهُمْ الْمُقَدَّرُ بِقَوْلِنَا هُوَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى النِّفَاقِ مَجَازًا عَلَى تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ. .
[مَسْأَلَة مُخَالَفَةِ الْعَهْدِ وَنَكْثِ الْعَهْدِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٧]: يُرِيدُ بِهِ تَحْرِيمَ مُخَالَفَةِ الْعَهْدِ وَنَكْثِ الْعَهْدِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ حَالُهُ.