وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ الْوَاقِعَ اعْتِدَاءً يُمَاثِلُ الْقَتْلَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَافِلَ عَنْ سَبَبِهِمَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْإِيلَاجُ فِي الْفَرْجِ عَنْ نِكَاحٍ، يُمَاثِلُ الْإِيلَاجَ عَنْ سِفَاحٍ فِي اللَّذَّاتِ وَالْحَرَكَاتِ، إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِذْنُ؛ وَكَذَلِكَ الْكُفْرُ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْ الْإِكْرَاهِ يُمَاثِلُ الصَّادِرَ عَنْ الِاخْتِيَارِ؛ وَلَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذْنُ الشَّرْعِ فِي أَحَدِهِمَا وَحَجْرُهُ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ أَحْكَمْنَا ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إنَّ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ بِالْإِكْرَاهِ جَائِزًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَلَمْ يُفْتَتَنْ حَتَّى قُتِلَ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ آثَارُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يَطُولُ سَرْدُهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَخَصَّهُ مِنْ اللَّهِ رِفْقًا بِالْخَلْقِ، وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَلِمَا فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ السَّمَاحَةِ، وَنَفْيِ الْحَرَجِ، وَوَضْعِ الْإِصْرِ.
[مَسْأَلَة سَبَبَ نُزُولِ آيَة مِنْ كُفْر بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إيمَانِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَدْ آنَ الْآنَ أَنْ نَذْكُرَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأُمِّهِ سُمَيَّةَ، وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَقَوْمٍ أَسْلَمُوا، فَفَتَنَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دِينِهِمْ، فَثَبَتَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَافْتُتِنَ بَعْضُهُمْ، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَلَاءِ وَلَمْ يَصْبِرْ بَعْضٌ، فَقُتِلَتْ سُمَيَّةُ، وَافْتُتِنَ عَمَّارٌ فِي ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ الْآيَةُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُمْكِنُهُمْ الْخُرُوجُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَخْرَجَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُمْ كُرْهًا فَقُتِلُوا. قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: ٩٨] {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٩٩].
الثَّالِثَةُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute