[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ]
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: سَلِّمُوا عَلَى أَهَالِيكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّانِي: إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتَ غَيْرِكُمْ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
[الثَّالِثُ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَسَاجِدَ فَسَلِّمُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ ضَيْفِكُمْ].
الرَّابِعُ: إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَارِغَةً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، قُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: فِي الْمُخْتَارِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ:
وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: ٢٧] فَنَصَّ عَلَى بُيُوتِ الْغَيْرِ، ثُمَّ قَالَ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] أَيْ لِيُسَلِّمَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الْحُكْمَ فِي بُيُوتِ الْغَيْرِ، لِيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ كُلُّ بَيْتٍ، كَانَ لِلْغَيْرِ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] لِيَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ سَلَامَ الْمَرْءِ عَلَى عَيْنِهِ، وَلِيَأْخُذَ الْمَعْنَى سَلَامَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا دَخَلَ بَيْتًا لِغَيْرِهِ اسْتَأْذَنَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لِنَفْسِهِ سَلَّمَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.
وَهَذَا إذَا كَانَ فَارِغًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ وَخَدَمُهُ فَلْيَقُلْ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحِيَّةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا فَلْيَقُلْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ». وَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ عُمَرَ الْبَيْتَ الْفَارِغَ.
وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ إذَا كَانَ الْبَيْتُ فَارِغًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّلَامُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَلَكَ فَالْمَلَائِكَةُ لَا تُفَارِقُ الْعَبْدَ بِحَالٍ، أَمَّا إنَّهُ إذَا دَخَلْت بَيْتَكَ يُسْتَحَبُّ لَك ذِكْرُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute