[مَسْأَلَة قَاتَلَ الصِّدِّيق الْبُغَاةَ وَالْمُرْتَدِّينَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: ٩] بِنَاءُ (ب غ ي) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الطَّلَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: ٦٤]؛ وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ هَاهُنَا عَمَّنْ يَبْغِي مَا لَا يَنْبَغِي عَلَى عَادَةِ اللُّغَةِ فِي تَخْصِيصِهِ بِبَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ
وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغِي خَلْعَهُ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي طَاعَةٍ لَهُ، أَوْ يَمْنَعُ حَقًّا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ؛ فَإِنْ جَحَدَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ.
وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبُغَاةَ وَالْمُرْتَدِّينَ؛ فَأَمَّا الْبُغَاةُ فَهُمْ الَّذِينَ مَنَعُوا الزَّكَاةَ بِتَأْوِيلٍ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا سَقَطَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَهُمْ الَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُوبَهَا، وَخَرَجُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِدَعْوَى نُبُوَّةِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَاَلَّذِي قَاتَلَ عَلِيٌّ طَائِفَةٌ أَبَوْا الدُّخُولَ فِي بَيْعَتِهِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ؛ وَطَائِفَةٌ خَلَعَتْهُ، وَهُمْ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ الْجَمَلِ فَإِنَّمَا خَرَجُوا يَطْلُبُونَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ. وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْجَمِيعِ أَنْ يَصِلُوا إلَيْهِ وَيَجْلِسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُطَالِبُوهُ بِمَا رَأَوْا أَنَّهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا تَرَكُوا ذَلِكَ بِأَجْمَعِهِمْ صَارُوا بُغَاةً بِجُمْلَتِهِمْ، فَتَنَاوَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَمِيعَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ: إنَّمَا يُقَاتِلُ مَعَ الْإِمَامِ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَوْ الْخَارِجَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فَأَمْسِكْ عَنْهُمَا إلَّا أَنْ تُرَادَ بِنَفْسِك أَوْ مَالِكَ أَوْ ظُلْمَ الْمُسْلِمِينَ فَادْفَعْ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: لَا تُقَاتِلُ إلَّا مَعَ إمَامٍ [عَادِلٍ] يُقَدِّمُهُ أَهْلُ الْحَقِّ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَكُونُ إلَّا قُرَشِيًّا، وَغَيْرُهُ لَا حُكْمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَدْعُو إلَى الْإِمَامِ الْقُرَشِيِّ؛ قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِقُرَشِيٍّ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ: إذَا خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ خَارِجٌ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْهُ، مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَدَعْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ ظَالِمٍ بِمِثْلِهِ ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute