وَتَغْلِيظُ الْمَكَانِ كَمَا قُلْنَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ».
فَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ مَقْطَعُ الْحُقُوقِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ قَوْمٍ عَاهَدُوا وَحَلَفُوا عَلَى الْمِنْبَرِ لِلنَّاسِ ثُمَّ غَدَرُوا.
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى رَجُلًا يَحْلِفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ أَوْ عَلَى مَالٍ عَظِيمٍ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي الشَّرْعِ أَلَّا يَحْلِفَ هُنَالِكَ إلَّا عَلَى مَا وَصَفَ، فَكُلُّ مَالٍ تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ، وَتَسْقُطُ فِيهِ حُرْمَةُ الْعُضْوِ فَهُوَ عَظِيمٌ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إنْ ارْتَبْتُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة: ١٠٦]
وَالرِّيبَةُ: هِيَ التُّهْمَةُ يَعْنِي مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِخِيَانَةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرْتَابِ، فَقِيلَ: هُوَ الْحَاكِمُ. وَقِيلَ: هُمْ الْوَرَثَةُ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَالتُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا تَقَعُ الرِّيبَةُ فِيهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَوْ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى؛ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ.
الثَّانِي: التُّهْمَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ؛ وَهُوَ تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ، بَيَانُهُ فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَصُوَرُهَا مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ هَاهُنَا الدَّعْوَى، وَثَبَتَتْ عَلَى مَا سَطَّرَ فِي الرِّوَايَاتِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: ١٠٦]
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَعْنَاهُ لَا نَشْتَرِي بِهِ ذَا ثَمَنٍ، ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ.
وَهَذَا مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الثَّمَنَ عِنْدَنَا مُشْتَرًى، كَمَا أَنَّ الْمَثْمُونَ مُشْتَرًى؛ فَكُلُّ