[مَسْأَلَة تَحْرِيمِ مَكَّةَ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧] قَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِي تَحْرِيمِ مَكَّةَ، وَفَائِدَةُ حُرْمَتِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةٍ، وَتَحْرِيمُهَا كَانَ بِالْعِلْمِ، وَكَانَ بِقَوْلِهِ مُخْبِرًا عَنْهُ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ، وَحَرَّمَهَا بِالْكِتَابِ حِينَ خَلَقَ الْقَلَمَ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّالِثُ، وَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ فَكَتَبَ مَا يَكُونُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا كَتَبَ أَنَّ مَكَّةَ بَيْتٌ مُحَرَّمُ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ؛ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ، مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لَيْسَ عَلَيْهِ جِدَارٌ مُحِيطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ وَسَّعَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ، وَاشْتَرَى دُورًا فَهَدَمَهَا فِيهِ، وَهَدَمَ عَلَى النَّاسِ مَا قَرُبَ مِنْ الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوا، وَوَضَعَ الْأَثْمَانَ حَتَّى أَخَذُوهَا بَعْدُ، ثُمَّ أَحَاطَ عَلَيْهِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ دُونَ الْقَامَةِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا وَلِيَ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَاشْتَرَى مِنْ قَوْمٍ، وَأَبَى آخَرُونَ أَنْ يَبِيعُوا، فَهَدَمَ عَلَيْهِمْ، فَصَيَّحُوا فَأَمَرَ بِهِمْ إلَى الْحَبْسِ حَتَّى كَلَّمَهُ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدَ، وَوُجِدَ فِي الْمَقَامِ كِتَابٌ، فَجَعَلُوا يُخْرِجُونَهُ لِكُلِّ مَنْ أَتَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يَعْلَمُونَهُ، حَتَّى أَتَاهُمْ حَبْرٌ مِنْ الْيَمَنِ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا فِيهِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ صُغْتُهَا يَوْمَ صُغْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَبَارَكْت لِأَهْلِهَا فِي اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحِلُّهَا أَهْلُهَا، وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا خَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute