للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: ١٢٧]: إخْبَارٌ عَنْ أَنَّهُ صَارِفُ الْقُلُوبِ وَمُصَرِّفُهَا وَقَالِبُهَا وَمُقَلِّبُهَا رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ قُلُوبَ الْخَلْقِ بِأَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحَهُمْ بِحُكْمِهِمْ، يَتَصَرَّفُونَ بِمَشِيئَتِهِمْ، وَيَحْكُمُونَ بِإِرَادَتِهِمْ، وَاخْتِيَارِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَبُ: مَا أَبْيَنَ هَذَا فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْقَدَرِ: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ١١٠].

وقَوْله تَعَالَى لِنُوحٍ: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦].

فَهَذَا لَا يَكُونُ أَبَدًا وَلَا يَرْجِعُ وَلَا يُزَالُ.

[الْآيَة الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ قَوْله تَعَالَى لقد جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ]

ِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨].

فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي ثُبُوتِهَا: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّافِضَةَ كَادَتْ الْإِسْلَامَ بِآيَاتٍ وَحُرُوفٍ نَسَبَتْهَا إلَى الْقُرْآنِ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ أَنَّهَا مِنْ الْبُهْتَانِ الَّذِي نَزَغَ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ نَقَلُوهَا وَأَظْهَرُوهَا حِينَ كَتَمْنَاهَا نَحْنُ، وَقَالُوا: إنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي فِي نَقْلِ الْآيَةِ وَالْحُرُوفِ كَمَا فَعَلْتُمْ، فَإِنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ آيَةً بِقَوْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ١٢٨]؛ وَقَوْلُهُ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣].

قُلْنَا: إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِنَقْلِ الْآحَادِ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّاهِدَةُ بِصِدْقِهِ، الدَّالَّةُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، فَأَبْقَاهَا اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَتَوَلَّى حِفْظَهَا بِفَضْلِهِ، حَتَّى لَا يُزَادَ فِيهَا وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا.

وَالْمُعْجِزَاتُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعَايَنَةً إنْ كَانَتْ فِعْلًا، وَإِمَّا أَنْ تَثْبُتَ تَوَاتُرًا إنْ كَانَتْ قَوْلًا، لِيَقَعَ الْعِلْمُ بِهَا، أَوْ تُنْقَلَ صُورَةُ الْفِعْلِ فِيهَا أَيْضًا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِهَا، كَأَنَّ السَّامِعَ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>