للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْعَوْرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلِ: جَمِيعُ الْبَدَنِ؛ فَيَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ؛ قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ عَنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ إنَّمَا الْخِلَافُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ مُثَقَّلَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ عَوْرَةٌ مُثَقَّلَةٌ، وَالْفَخِذَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ؛ «لِأَنَّهَا ظَهَرَتْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جَرَى فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصِلُهَا بِأَفْخَاذِ أَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً مَا وَصَلَهَا بِهَا».

قَالَ زَيْدٌ: «نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيُ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي»، أَمَّا إنَّهُ يُكْرَهُ كَشْفُهَا فَإِنَّ مَالِكًا وَغَيْرَهُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ جَرْهَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «غَطِّ فَخِذَك؛ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ»؛ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ.

[مَسْأَلَة الطَّوَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ " قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١]

وَإِنْ كَانَ وَارِدًا عَلَى طَوَافِ الْعُرْيَانِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِلصَّلَاةِ؛ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَاَلَّذِي يَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ هُوَ الصَّلَاةُ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مَقَاصِدُ اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً فِي الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]، لِيَكُونَ الْعُمُومُ شَامِلًا لِكُلِّ مَسْجِدٍ، وَالسَّبَبُ الَّذِي أَثَارَ ذَلِكَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ، وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ نِظَامُ الْكَلَامِ، وَلَا كَيْفَ كَانَ وُرُودُهُ، اجتزءوا بِوُرُودِ الْآيَةِ وَمَنْحَاهَا، فَلَا مَطْمَعَ لِعَالِمٍ فِي أَنْ يَسْبِقَ شَأْوَهُمْ فِي تَفْسِيرٍ أَوْ تَقْدِيرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>