وَتَقُولُ: زَيْدٌ قُدَّامُك، وَعَمْرٌو وَرَاءَك. فَإِذَا قُلْت زَيْدٌ قُدَّامُك احْتَمَلَ الْمَسَافَةَ مِنْ لَدُنْ جِسْمِهِ إلَى مَا لَا يَنْحَصِرُ مُنْتَهَاهُ قَدَمًا، وَكَذَلِكَ وَرَاءَك، فَصَغَّرُوهُ إذَا أَرَادُوا قُرْبَ الْمَسَافَةِ مِنْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَقَالُوا: قُدَيْدِيمَةُ. وَإِذَا أَرَادُوا تَخْلِيصَ الْقُرْبِ بِغَايَةِ الدُّنُوِّ قَالُوا: زَيْدٌ عِنْدَك، عَبَّرُوا بِهِ عَنْ نِهَايَةِ الْقُرْبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَغِّرُوهُ، فَيَقُولُوا فِيهِ عُنَيْدَ.
وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهَا أَيْضًا عَمَّا فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ، فَيُقَالُ: عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا؛ أَيْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَخْتَصُّ بِالْمَرْءِ اخْتِصَاصَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ؛ فَعَبَّرُوا بِأَقْرَبِ الْوُجُوهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: عِنْدَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك» يَعْنِي فِي مِلْكِك.
إذَا ثَبَتَ هَذَا وَهِيَ:
[مَسْأَلَة الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: ٥٩] يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قُرْبَهَا مِنْهُ قُرْبَ مَكَانَةٍ وَتَيْسِيرٍ، لَا قُرْبَ مَكَان. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ يُظْهِرُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَيُخْفِي مَا يَشَاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَرُكْنٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، مُعْظَمُهَا يَتَفَسَّرُ بِهَا، وَفِيهَا مِنْ الْأَحْكَامِ نُكْتَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَأَمَّا مَنْزَعُهَا فِي الْأُصُولِ فَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ؛ وَأَمَّا نُكْتَتُهَا الْأَحْكَامِيَّةُ فَنُشِيرُ إلَيْهَا فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَضْمُونِهِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ الْمُشْكِلَيْنِ لِيَنْفَتِحَ بِذَلِكَ غَلْقُ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: ٥٩]
وَاحِدُهَا مَفْتَحٌ وَمِفْتَاحٌ، وَجَمْعُهُ مَفَاتِحُ وَمَفَاتِيحُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَعْنَى يَحِلُّ غَلْقًا، مَحْسُوسًا كَانَ كَالْقُفْلِ عَلَى الْبَيْتِ، أَوْ مَعْقُولًا كَالنَّظَرِ، وَالْخَبَرُ يَفْتَحُ قُفْلَ الْجَهْلِ عَنْ الْعِلْمِ وَالْغَيْبِ، وَهِيَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute