للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهِهِ؛ فَإِذَا صَحَّ بِالْقَوْلِ فِي الْيَمِينِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا نَوَى إذَا أَضْمَرَ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك عَلَيْهِ صَاحِبُك». وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَمَعْنًى قَوِيمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَرَرْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ.

[مَسْأَلَة بَقَاءِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ ارْتِفَاعِهِ فَإِن عَثَرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي بَقَاءِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ ارْتِفَاعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُكْمُهَا مَنْسُوخٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حُكْمُهَا ثَابِتٌ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ: إنَّ الْيَمِينَ الْآنَ لَا تَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُرْتِيبَ بِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَلَا فِي حَالِهِ خُلَّةٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنُخْبَتُهُمْ. وَقَدْ قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَحَقَّقَهُ بِأَمْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]. وَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢].

فَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَدَالَةِ، وَاقْتُضِيَتْ الْيَمِينُ مِنْهَا إنْ كَانَتْ فِيهَا.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا ثَابِتَةٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ؛ مِنْهُمْ أَحْمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ يُجَوِّزُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَصَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ بِالْيَمِينِ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَجَهْلٌ بِالتَّأْوِيلِ، وَقُصُورٌ عَنْ النَّظَرِ، وَإِذَا أَسْقَطَ أَحْمَدُ الْيَمِينَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَثْبُتُ فِيهِمَا جَمِيعًا.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْيَمِينُ، وَهِيَ هَاهُنَا يَمِينُ الْوَصِيَّيْنِ، كَمَا سُمِّيَتْ الْيَمِينُ فِي اللِّعَانِ شَهَادَةً.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّمَا حَكَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِمَا الْوَصِيَّةُ بِالْخِيَانَةِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مَا لَا يَبْرَأُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>