للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْرَةُ وَالْبُحَيْرَةُ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا؛ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: ٤١]: إنَّ الْبَحْرَ الْبِلَادُ، وَالْبَرَّ الْفَيَافِي وَالْقِفَارُ.

وَفَائِدَتُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ بَرًّا وَبَحْرًا وَهَوَاءً، وَجَعَلَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الثَّلَاثَةِ عِمَارَةً، فَعِمَارَةُ الْهَوَاءِ الطَّيْرُ، وَعِمَارَةُ الْمَاءِ الْحِيتَانُ، وَعِمَارَةُ الْأَرْضِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ، وَجَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحًا لِلْإِنْسَانِ عَلَى شُرُوطٍ وَتَنْوِيعٍ، هِيَ مُبَيَّنَةٌ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩].

[مَسْأَلَة صَيْدُ الْبَحْرِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦]: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: مَا صِيدَ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

الثَّانِي: هُوَ حِيتَانُهُ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

الثَّالِثُ: السَّمَكُ الْجَرِيُّ؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ حِيتَانُهُ تَفْسِيرًا، وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا حُووِلَ أَخْذُهُ بِحِيلَةٍ وَعَمَلٍ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: مَا صِيدَ مِنْهُ، وَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " أُحِلَّ لَكُمْ أَخْذُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ الْحِيتَانِ بِالْمُحَاوَلَةِ، وَأُحِلَّ لَكُمْ طَعَامُهُ، وَهُوَ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ مُحَاوَلَةٍ " وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ بِغَيْرِ مُحَاوَلَةٍ وَلَا حِيلَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا طَفَا عَلَيْهِ مَيْتًا.

وَالثَّانِي: مَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَأَخَذَهُ النَّاسُ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُهُ} [المائدة: ٩٦]: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: مَا جَزَرَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>