وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ الْتَحَقَ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ.
وَتَعَلَّقَ مَالِكٌ بِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمَسَاكِينِ بِقَوْلِهِ: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٩٥]، وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَقَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦].
«وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ»، وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْهَدَايَا فَهُوَ عَلَى أَصْلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦].
وَهَذَا نَصٌّ فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بُدْنَهُ، وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَطَبَخَهَا وَأَكَلَ مِنْهَا، وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا، وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ وَاجِبًا، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي حَجِّهِ». وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَكْلِ لَأَجْلِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَرَى أَنْ تَأْكُلَ مِنْ نُسُكِهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمُخَالَفَتِهِمْ، فَلَا جَرَمَ كَذَلِكَ شُرِعَ وَبَلَّغَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ حِينَ أَهْدَى وَأَحْرَمَ.
وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ. فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَظْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا.
[مَسْأَلَة الْأَكْلَ وَالْإِطْعَامَ مِنْ الْهَدْي]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا} [الحج: ٣٦]، {وَأَطْعِمُوا} [الحج: ٣٦] عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ أَبِي ثَعْلَبَةَ.
الثَّانِي: أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ قَالَهُ ابْنُ شُرَيْحٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَكْلَ مُسْتَحَبٌّ، وَالْإِطْعَامَ وَاجِبٌ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ مَالِكٍ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُمَا وَاجِبَانِ فَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَفِيهِ غَرِيبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ لَمْ تَقَعْ لِي، مُذْ قَرَأْت الْعِلْمَ، لَهَا نَظِيرٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إنَّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute