وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَجَعَلَهُمْ كُفَّارًا أَجْمَعِينَ. وَهَذِهِ آيَةٌ لَا يُؤْمِنُ بِهَا إلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُ وَإِرَادَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ.
وَالْأُولَى عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنِيُّ هَاهُنَا بِالْآيَةِ الْمُسْلِمِينَ، تَقْدِيرُهَا: لَوْ شَاءَ رَبُّك لَجَعَلَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ قَسَّمَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ بِحِكْمَتِهِ وَسَابِقِ عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ. .
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: ١١٨]
قِيلَ: يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْأَدْيَانِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الِاخْتِلَافَ فِي الرِّزْقِ: غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ. وَهَذَا بَعِيدٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ الْأَدْيَانِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا، وَإِخْبَارِ اللَّهِ عَنْ حُكْمِهِ عَلَيْهَا، وَرَحْمَةِ مَنْ يَرْحَمُ مِنْهَا، فَرَجَعَ وَصْفُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ إلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدْخُلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ لَدَخَلْتُمُوهُ». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ، إلَّا وَاحِدَةً. قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: ١١٩]
فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: بِالْهِدَايَةِ إلَى الْحَنِيفِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute