للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَقِيقَةُ الْمُلْكِ كَثْرَةُ الْمُلْكِ، فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مَلِكًا وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَلِكًا ذَا مُلْكٍ حَتَّى يَكْثُرَ ذَلِكَ، فَلَوْ مَلَكَ الرَّجُلُ دَارًا وَقُوتًا لَمْ يَكُنْ مُلْكًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ خَادِمٌ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِضَرُورَةِ الْآدَمِيَّةِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.

[مَسْأَلَة حَالَ النَّبِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مُلْكًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَالَ النَّبِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مُلْكًا، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعَبَّاسَ أَنْ يَحْبِسَ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، حَتَّى يَمُرَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ؛ فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ؛ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ لَهُ: غَفَّارٌ. قَالَ: مَا لِي وَلِغَفَّارٍ، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سُلَيْمٌ فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ، عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْيَوْمَ عَظِيمًا. فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُلْكٍ، وَلَكِنَّهَا النُّبُوَّةُ».

وَلَمْ يُرِدْ الْعَبَّاسُ نَفْيَ الْمُلْكِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فِي نِسْبَةِ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

إلَى مُجَرَّدِ الْمُلْكِ، وَتَرْكِ الْأَصْلِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ الَّتِي تَتَرَكَّبُ عَلَى الْمُلْكِ وَالْعُبُودِيَّةِ.

عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ خَيَّرَك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَنَظَرَ إلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ: بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا».

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} [ص: ٢٠]. قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

[مَسْأَلَة معني قَوْله تَعَالَى وَفَصْلَ الْخِطَابِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠] قِيلَ: هُوَ عِلْمُ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِيجَازُ بِجَعْلِ الْمَعْنَى الْكَثِيرِ فِي اللَّفْظِ الْقَلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>