الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:
وَطُولُ الِانْتِظَارِ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مَدَى الْعُمْرِ، بِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، مِثْلِ التَّأَهُّبِ لِلْبِنَاءِ، أَوْ انْتِظَارِ صَلَاحِيَّةِ الزَّوْجَةِ لِلدُّخُولِ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً. نَصَّ عَلَيْهَا عُلَمَاؤُنَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْحَالِ. وَمَا كَانَ صَالِحُ مَدْيَنَ يَحْبِسُهُ عَنْ الدُّخُولِ يَوْمًا، وَقَدْ عَقَدَهُ عَلَيْهَا حَالًا.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ثَمَانِيَ حِجَجٍ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْلُهُ: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧]
فَنَصَّ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوسَى مُدَّةً مِنْ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ عَلَى رَعْيِهِ الْغَنَمَ وَالْحَيَوَانَ، فَتَغَيَّرَ فِي الْآمَادِ الطَّوِيلَةِ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْعِشْرِينَ سَنَةً فِي الْعَقْدِ طُولًا، وَلَا رَأَى فِي الْمُدَوَّنَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُولًا. وَمَنَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي الْعَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ أَصَحُّ لِسُرْعَةِ التَّغَيُّرِ فِي الْغَالِبِ إلَى الْأَبَدَانِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي ثَمَانِيَ سِنِينَ، وَبَلَغَهَا بِالطَّوْعِ الَّذِي لَا يُلْزَمُ عَشْرًا، وَهُوَ الْعَدْلُ.
[مَسْأَلَة التَّطَوُّع بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:
لَمَّا ذَكَرَ الشَّرْطَ، وَأَعْقَبَهُ بِالتَّطَوُّعِ فِي الْعَشْرِ؛ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِهِ، وَلَمْ يَلْحَقْ الْآخَرُ بِالْأَوَّلِ، وَلَا اشْتَرَكَ الْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ؛ وَلِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي الْعُقُودِ الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُقَالُ: وَتَطَوَّعَ بِكَذَا، فَيَجْرِي الشَّرْطُ عَلَى سَبِيلِهِ، وَالتَّطَوُّعُ عَلَى حُكْمِهِ.
وَقَدْ أَفْرَطَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: يُقَالُ فِي الْعَقْدِ: وَتَطَوَّعَ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ. وَهَذَا إفْرَاطٌ يَخْرُجُ بِقَائِلِهِ إلَى التَّفْرِيطِ فَإِنَّهُ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِيهِ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: عَقَدَ مَعَهُ كَذَا، وَشَرَطَ كَذَا، وَتَطَوَّعَ بِكَذَا، فَقَدْ انْفَصَلَ الْوَاجِبُ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّطَوُّعَ أَخْرَجَهُ عَنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ حَشْوٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَتَكْرَارٌ لَا مَعْنَى لَهُ.