فَقُلْت لِمَالِكٍ: وَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: ٣٤] وَاَلَّذِي قَالَ: لَا يُكَلِّمُهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَصَرَفَهُ نَظَرُهُ إلَى أَنْ جَعَلَ الْأَقَلَّ فِي الْكَلَامِ، وَإِذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ فَتْرُكِ الْكَلَامِ سَخَافَةٌ، هَذَا وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ. وَاَلَّذِي قَالَ: يُكَلِّمُهَا بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ إذَا دَعَاهَا إلَى الْمَضْجَعِ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْقَوْلِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ الْقَوْلِ فِي الرَّأْي؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَفَعَ التَّثْرِيبَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَهُوَ الْعِقَابُ بِالْقَوْلِ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ مَعَ ذَلِكَ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْحُرَّةِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَاضْرِبُوهُنَّ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنَّ أَلَّا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ». وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الْبَذَاءُ لَيْسَ الزِّنَا كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، فَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّرْبَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُبَرِّحًا، أَيْ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْبَدَنِ يَعْنِي مِنْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْت فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ قَالَ: يَعِظُهَا فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ وَإِلَّا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَيَنْظُرَانِ مِمَّنْ الضَّرَرُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْخُلْعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute