للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَنَافِعُ الْأَحْرَارِ وَمَنَافِعُ الْعَبِيد هَلْ يَصِحَّانِ فِي الصَّدَاق]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ:

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْحُرِّ صَدَاقًا. وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِ الْعَبْدِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَنَزَعَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مَالٌ كُلُّهُ.

وَهَذَا بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ مَالٌ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا بِالْمَالِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَالًا مَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِي أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

وَالصَّدَاقُ بِالْمَنَافِعِ إنَّمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ؛ فَمَنَافِعُ الْأَحْرَارِ وَمَنَافِعُ الْعَبِيدِ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ الْأَصْلُ، وَيُحْمَلُ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلٍ سَاقِطٍ؟ وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

[مَسْأَلَة هَلْ يَصِحّ الصَّدَاقِ إجَارَةً]

جَوَازُ الصَّدَاقِ إجَارَةً الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

إذَا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّدَاقِ إجَارَةً فَفِي قَوْلِهِ: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص: ٢٧] ذِكْرٌ لِلْخِدْمَةِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ جَائِزٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْرُوفِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ لِمَنَافِعِهِ فِيمَا يُصْرَفُ فِيهِ مِثْلُهُ، وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَيَقْضِي بِهِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَيُعْضَدُ هَذَا بِظَاهِرِ قِصَّةِ مُوسَى فَإِنَّهُ ذِكْرُ إجَارَةٍ مُطْلَقَةٍ، عَلَى أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ ذَكَرُوا أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ رَعِيَّةَ الْغَنَمِ، وَلَمْ يَرْوُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَلَكِنْ قَالُوا: إنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ إلَّا رَعِيَّةَ الْغَنَمِ، فَكَانَ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ قَائِمًا مَقَامَ تَعْيِينِ الْخِدْمَةِ فِيهِ.

وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَنَا؛ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ يَرَى أَنَّ مَا عُلِمَ مِنْ الْحَالِ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يُسَمَّى.

وَعِنْدَنَا أَنَّهُ يَكْفِي مَا عُلِمَ مِنْ الْحَالِ، وَمَا قَامَ مِنْ دَلِيلِ الْعُرْفِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْمِيَةِ فِي الْخِدْمَةِ، وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْمِلَّةِ وَدَلِيلٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ. وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ قَبْلُ، وَفِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْأُصُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>