يُكَلَّفُ مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ وَالْبَيِّنَةُ يَقْدِرُ أَنْ يُقِيمَهَا حَالَ الدَّفْعِ فَتَفْرِيطُهُ فِيهَا مُوجِبٌ عَلَيْهِ الضَّمَانَ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْوَدِيعَةِ مِثْلَهُ، وَهِيَ عِنْدَنَا مَحْمُولَةٌ وَنَظِيرَةٌ لَهُ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا: إنَّهَا أَمَانَةٌ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. قُلْنَا: لَوْ رَضِيَ أَمَانَتَهُ بِالرَّدِّ مَا كَتَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِالْعَقْدِ.
[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ]
َ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ النِّسَاءَ الْمِيرَاثَ وَيَخُصُّونَ بِهِ الرِّجَالَ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا وَقَرَابَةً كِبَارًا اسْتَبَدَّ بِالْمَالِ الْقَرَابَةُ الْكِبَارُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا أَصَاغِرَ وَأَخًا كَبِيرًا، فَاسْتَبَدَّ بِمَالِهِ، فَرَفَعَ أَمَرَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ الْعَمُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْوَلَدَ صَغِيرٌ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَكْسِبُ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ». وَكَانَ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ تَصَرُّفًا بِجَهْلٍ عَظِيمٍ؛ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ الصِّغَارَ الضِّعَافَ كَانُوا أَحَقَّ بِالْمَالِ مِنْ الْقَوِيِّ؛ فَعَكَسُوا الْحُكْمَ وَأَبْطَلُوا الْحِكْمَةَ؛ فَضَلُّوا بِأَهْوَائِهِمْ وَأَخْطَئُوا فِي آرَائِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثُ فَوَائِدَ: إحْدَاهَا: بَيَانُ عِلَّةِ الْمِيرَاثِ، وَهِيَ الْقَرَابَةُ.
الثَّانِي: عُمُومُ الْقَرَابَةِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ مِنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute