[مَسْأَلَة وَالْمُخَالِطُ لِلْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَة أضرب]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
لَمَّا قَالَ اللَّهُ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَكَانَ الْمَاءُ مَعْلُومًا بِصِفَةِ طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَلَوْنِهِ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّتِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ إلَى غَيْرِهِ بِتَغَيُّرِ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ وَصْفُ الطَّهُورِيَّةِ.
وَالْمُخَالِطُ لِلْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يُوَافِقُهُ فِي صِفَتَيْهِ جَمِيعًا: وَهِيَ الطَّهَارَةُ وَالتَّطْهِيرُ، فَإِذَا خَالَطَهُ فَغَيْرُهُ لَمْ يَسْلُبْهُ وَصْفًا مِنْهُمَا، لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِيهِمَا، وَهُوَ التُّرَابُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي إحْدَى صِفَتَيْهِ، وَهِيَ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُوَافِقُهُ فِي صِفَتِهِ الْأُخْرَى، وَهِيَ التَّطْهِيرُ، فَإِذَا خَالَطَهُ فَغَيْرُهُ سَلَبَهُ مَا خَالَفَهُ فِيهِ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ، دُونَ مَا وَافَقَهُ، وَهِيَ الطَّهَارَةُ، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَسَائِرِ الطِّهَارَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مُخَالَفَتُهُ فِي الصِّفَتَيْنِ جَمِيعًا: وَهِيَ الطَّهَارَةُ وَالتَّطْهِيرُ، فَإِذَا خَالَطَهُ فَغَيْرُهُ سَلَبَهُ الصِّفَتَيْنِ جَمِيعًا، لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِيهِمَا، وَهُوَ النَّجَسُ. وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَكُتُبِ الْفُرُوعِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ أَفْسَدَتْهُ كُلَّهُ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا، إذَا تَحَقَّقَتْ عُمُومُ النَّجَاسَةِ فِيهِ.
وَوَجْهُ تَحَقُّقِهَا عِنْدَهُ أَنْ تَقَعَ مَثَلًا نُقْطَةُ بَوْلٍ فِي بِرْكَةِ مَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْبِرْكَةُ يَتَحَرَّكُ طَرَفَاهَا بِتَحْرِيكِ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَرَكَةُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا تُحَرِّكُ الْآخَرَ لَمْ يُنَجَّسْ وَالْمِصْرِيُّونَ، كَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، يَقُولُونَ: إنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ.
وَفِي الْمَجْمُوعَةِ نَحْوُهُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، وَرَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حُسْنَ ظَنٍّ بِهِ، وَهُوَ مَطْعُونٌ فِيهِ. وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ.