وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَكُفُّ عَنْ النِّسَاءِ وَلَا يَأْتِيهِنَّ مَعَ الْقُدْرَةِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ، وَالْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفَضْلِ الْمُكْتَسَبِ دُونَ الْجِبِلَّةِ فِي الْغَالِبِ.
الثَّانِي: أَنَّ حَصُورًا فَعُولًا؛ وَبِنَاءُ فَعُولٍ فِي اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ الْفَاعِلِينَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْحَصُورُ: الْبَخِيلُ، وَالْهَيُوبُ الَّذِي يُحْجِمُ عَنْ الشَّيْءِ؛ وَالْكَاتِمُ السِّرَّ؛ وَهَذَا بِنَاءُ فَاعِلٍ. وَالْحَصُورُ عِنْدَهُمْ: النَّاقَةُ الَّتِي لَا يَخْرُجُ لَبَنُهَا مِنْ ضِيقِ إحْلِيلِهَا. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَدْ جَاءَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ، تَقُولُ: رَسُولٌ بِمَعْنَى مُرْسَلٍ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَحْيَى كَانَ كَافًّا عَنْ النِّسَاءِ عَنْ قُدْرَةٍ فِي شَرْعِهِ، فَأَمَّا شَرْعُنَا فَالنِّكَاحُ.
رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ عَنْ التَّبَتُّلِ قَالَ الرَّاوِي: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا»، وَلِهَذَا بَالَغَ قَوْمٌ فَقَالُوا: النِّكَاحُ وَاجِبٌ، وَقَصَرَ آخَرُونَ فَقَالُوا مُبَاحٌ، وَتَوَسَّطَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: مَنْدُوبٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ النَّاكِحِ وَالزَّمَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَسَتَرَوْنَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ]
َ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: ٤٤] فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ فِعْلِهِمْ: وَاخْتَلَفَ فِيهِ نَقْلُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute