للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سُورَةُ الشُّورَى فِيهَا ثَمَانِ آيَاتٍ] [الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَاَلَّذِي أَوْحَيْنَا]

الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: ١٣].

ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْمَشْهُورِ [الْكَبِيرِ]: «وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ». وَهَذَا صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، كَمَا أَنَّ آدَمَ أَوَّلُ نَبِيٍّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا بَنُوهُ، وَلَمْ تُفْرَضْ لَهُ الْفَرَائِضُ، وَلَا شُرِعَتْ لَهُ الْمَحَارِمُ؛ وَإِنَّمَا كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، وَاقْتِصَارًا عَلَى ضَرُورَاتِ الْمَعَاشِ، وَأَخَذًا بِوَظَائِفِ الْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ، وَاسْتَقَرَّ الْمَدَى إلَى نُوحٍ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِتَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَوَظَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَوْضَحَ لَهُ الْآدَابَ فِي الدِّيَانَاتِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ بِالرُّسُلِ، وَيَتَنَاصَرُ بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، شَرِيعَةً بَعْدَ شَرِيعَةٍ، حَتَّى خَتَمَهَا اللَّهُ بِخَيْرِ الْمِلَلِ مِلَّتِنَا، عَلَى لِسَانِ أَكْرَمِ الرُّسُلِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَأَنَّ الْمَعْنَى: وَوَصَّيْنَاك يَا مُحَمَّدُ وَنُوحًا دِينًا وَاحِدًا يَعْنِي فِي الْأُصُولِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الشَّرِيعَةُ، وَهِيَ: التَّوْحِيدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>