للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَتَّصِلَ لَهُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْأَكْثَرِ مِنْ النَّاسِ. وَعَلَى الْعَالِمِ أَيْضًا فَرْضُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا مِثْلَهُ فِي نَازِلَةٍ خَفِيَ عَلَيْهِ فِيهَا وَجْهُ الدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ، وَأَرَادَ أَنْ يُرَدِّدَ فِيهَا الْفِكْرَ، حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ فَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ ذَلِكَ، وَخِيفَ عَلَى الْعِبَادَةِ أَنْ تَفُوتَ، أَوْ عَلَى الْحُكْمِ أَنْ يَذْهَبَ فِي تَفْصِيلٍ طَوِيلٍ، وَاخْتِلَافٍ كَثِيرٍ، عَوَّلُوا مِنْهُ عَلَى مَا أَشَرْنَا لَكُمْ إلَيْهِ.

[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة: ١٠٤]: هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ وَالِاحْتِجَاجَاتِ لَا تَكُونُ بِمُحْتَمَلٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاتِّبَاعُ فِيهَا بِمَا خَرَجَ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَوَجَبَتْ لَهُ الصِّحَّةُ فِي طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَنَحْنُ نَقْتَدِي بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ، وَنَمْتَثِلُ مَا شَاهَدْنَاهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ أَنَّ آبَاءَهُمْ بِالْهُدَى عَامِلُونَ، وَعَنْ غَيْرِ الْحَقِّ مَعْصُومُونَ، وَنَسُوا أَنَّ الْبَاطِلَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ، وَالْخَطَأَ وَالْجَهْلَ لَاحِقٌ بِهِمْ؛ فَبَطَلَ وَجْهُ الْحُجَّةِ فِيهِ، وَوَضَحَ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ بِشُرُوطِهِ حَسْبَمَا قَرَرْنَاهُ مِنْ شُرُوطِ الْأَدِلَّةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ]

قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: ١٠٥].

فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَرِيبَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَ لَهَا أُخْتٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا آيَةٌ يَنْسَخُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا؛ نَسَخَ قَوْلُهُ: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥] قَوْلَهُ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥]. وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، فَالْحَظُوهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعْلَمُوهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>