[مَسْأَلَة كَفَّارَات الْيَمِين]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:
ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكِتَابِ الْخِلَالَ الثَّلَاثَ مُخَيِّرًا فِيهَا، وَعَقَّبَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالصِّيَامِ فَالْخُلَّةُ الْأُولَى هِيَ الْإِطْعَامُ، وَبَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ الْأَفْضَلَ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ لِغَلَبَةِ الْحَاجَةِ فِيهَا عَلَى الْخَلْقِ، وَعَدَمِ شِبَعِهِمْ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ خِلَالِهَا.
وَعِنْدِي أَنَّهَا تَكُونُ بِحَسَبِ الْحَالِ؛ فَإِنْ عَلِمْت مُحْتَاجًا فَالْإِطْعَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّك إذَا أَعْتَقْت لَمْ تَرْفَعْ حَاجَتَهُمْ وَزِدْت مُحْتَاجًا حَادِيَ عَشَرَ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ تَلِيه، وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ [غَلَبَةَ] الْحَاجَةِ بَدَأَ بِالْمُهِمِّ الْمُقَدَّمِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩]
وَقَوْلُهُ: {تُطْعِمُونَ} [المائدة: ٨٩] يَحْتَمِلُ طَعَامَهُمْ بَقِيَّةَ عُمْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ غَدَاءً وَعَشَاءً؛ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَكْلَةِ الْيَوْمِ وَسَطًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَشِبَعًا فِي غَيْرِهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: تَتَقَدَّرُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الْبُرِّ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ بِصَاعٍ.
وَأَصْلُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَسَطَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَعْلَى وَالْخِيَارِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] أَيْ عُدُولًا خِيَارًا. وَيَنْطَلِقُ عَلَى مَنْزِلَةٍ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَنِصْفًا بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَإِلَيْهِ يُعْزَى الْمِثْلُ الْمَضْرُوبُ: " خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا ".
وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ بِمَعْنَى الْخِيَارِ هَاهُنَا مَتْرُوكٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مَعْلُومَةً عَادَةً، وَمِنْهُ مَنْ قَدَّرَهَا كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَغِيرٍ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ، صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ، أَوْ صَاعِ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، وَبِهِ أَخَذَ سُفْيَانُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute