وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ النِّيَاحَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْمَكْرُوهَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهَا. .
[الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ]
ْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن: ١٤].
الْآيَةُ فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَدْ بَيَّنَّا الْعَدَاوَةَ وَمُقَابِلَتَهَا الْوِلَايَةَ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَغَيْرِهِ
وَحَقَّقْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ هِيَ الْقُرْبُ، وَأَنَّ الْعَدَاوَةَ هِيَ الْبُعْدُ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الْقُرْبَ وَالْبُعْدَ يَكُونَانِ حَقِيقَةً بِالْمَسَافَةِ؛ وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّ الْإِلَهِ، وَيَكُونَانِ بِالْمَوَدَّةِ وَالْمَنْزِلَةِ؛ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْإِلَهِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ يَجُوزُ عَلَى الْخَلْقِ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ هَاهُنَا بُعْدُ الْمَوَدَّةِ وَالْمَنْزِلَةِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ قَرِيبٌ، وَالْوَلَدَ قَرِيبٌ، بِحُكْمِ الْمُخَالَطَةِ، وَالصُّحْبَةِ، وَلَكِنَّهُمَا قَدْ يَقْرُبَانِ بِالْأُلْفَةِ الْحَسَنَةِ وَالْعِشْرَةِ الْجَمِيلَةِ، فَيَكُونَانِ وَلِيَّيْنِ، وَقَدْ يَبْعُدَانِ بِالنَّفْرَةِ وَالْفِعْلِ الْقَبِيحِ، فَيَكُونَانِ عَدُوَّيْنِ، وَعَنْ هَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَمِنْهُ حَذَّرَ، وَبِهِ أَنْذَرَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: ١٤] قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدْعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأَوْا النَّاسَ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: ١٤].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute